للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجة الإسلام، ورافق يحيى بن معين (١)، وقال له: نمضي إن شاءَ الله فنقضي حجنا، ثم نمضي إلى عبد الرزاق (٢) إلى صنعاء نسمع منه.

قال أَبي: فدخلنا مكة وقمنا نطوف طواف الورود (٣)، فإذا عبد الرزاق في الطواف يطوف، وكان يحيى بن معين قد رآه وعرفه، فخرج عبد الرزاق لما قضى طوافه، فصلى خلف المقام ركعتين ثم جلس، فقضينا طوافنا وجئنا فصلينا خلف المقام ركعتين، فقام يحيى بن معين، فجاء إلى عبد الرزاق فسلم عليه، وقال له: هذا أَحمد بن حنبل أَخوك، فقال: حياه الله وثبَّته، فإنه يبلُغني عنه كُلُّ جميل. قال له يحيى: نجيء إليك غدًا -إن شاء الله- حتى نسمع ونكتب.

قال: وقام عبد الرزاق فانصرف، فقال أبي ليحيى بن معين: لم أَخذت على الشيخ موعدًا؟ قال: لنسمع منه، قد أربحك الله مسيرةَ شهر ورجوع شهر والنفقة. فقال أَبي: ما كان الله يراني وقد نويتُ نيةً لي أفسدها بما تقول، نمضي فنسمع منه. فمضى حتى سمع منه بصنعاء" (٤).

وهذه مواقف عظيمة لهذا الإمام العظيم، يظهر فيها حرصه على طلب العلم في كل مراحل حياته، فليس لديه زمن محدد ينتهي فيه طلب العلم، يطلبه في صغره وكبره الأمر سواء؛ لأن طلب العلم عبادة لا تتوقف بزمن معين، وهذه ثمرة من ثمرات


(١) الإمام، الحافظ، الجهبذ، شيخ المحدثين، يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام أحد الأعلام، إمام الجرح والتعديل وكان إمامًا ربانيًا عالمًا، حافظًا، ثبتًا، متقنًا، وتوفي رحمه الله سنة (٢٣٣ هـ).
ينظر: تاريخ بغداد (١٦/ ٢٦٣)، سير أعلام النبلاء (١١/ ٧١)، تهذيب التهذيب (١١/ ٢٨٠).
(٢) الحافظ الكبير، عالم اليمن، عبد الرزاق بن همام بن نافع الحِمْيَرِيُّ، وله من المؤلفات المصنف في الحديث وله التفسير، وتوفي رحمه الله في سنة (٢١١ هـ).
ينظر: وفيات الأعيان (٣/ ٢١٦)، سير أعلام النبلاء (٩/ ٥٦٣)، تهذيب التهذيب (٦/ ٣١٠).
(٣) وهو طواف القدوم.
(٤) تاريخ دمشق (٥/ ٢٦٦ - ٢٦٧) لابن عساكر، ت: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر ١٤١٥ هـ، مناقب الإمام أحمد (٣٥).

<<  <   >  >>