وأكرمهم نفسًا، وأحسنهم عشرة وأدبًا، كثير الإطراق والغضّ، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين والزهاد، في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بشَّ به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعًا شديدًا، وكانوا يكرمونه ويعظِّمونه، وكان يفعل بيحيى بن مَعين ما لم أره يفعل بغيره من التواضع والتبجيل، وكان يحيى أكبر منه بنحو سبع سنين" (١).
وقال المرُّوذي: "كان أبو عبد الله لا يجهل، وإن جُهِل عليه احتمل وحلم، ويقول: يكفي اللَّه.
ولم يكن بالحقود ولا العجول، ولقد وقع بين عمه وجيرانه منازعة، فكانوا يجيئون إلى أبي عبد الله فلا يظهر لهم ميله مع عمه، ولا يغضب لعمه، ويتلقاهم بما يعرفون من الكرامة، وكان كثير التواضع، يحب الفقراء، لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلسه، مائلًا إليهم، مقصرًا عن أهل الدنيا، تعلوه السكينة والوقار، إذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يُسأل، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر، يقعد حيث انتهى به المجلس، وكان لا يمد قدمه في المجلس، ويكرم جليسه، وكان حسن الخلق دائم البشر لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، وكان يحب في الله ويبغض في الله، وكان إذا أحب رجلًا أحب له ما يحب لنفسه، وكره له ما يكره لنفسه، ولم يمنعه حبه إياه أن يأخذ على يديه ويكفه عن ظلم أو إثم أو مكروه إن كان منه، وكان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله، وكان رجلًا فطنًا إذا كان شيء لا يرضاه اضطرب لذلك، يغضب لله ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، فإذا كان في أمر من الدين اشتد له غضبه حتى كأنه ليس هو، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان حسن