للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما زال يصيح، ثم خرج، فلما كان بعد ذلك ذهب هذا الخُتَّلِيّ إلى شعيب (١)، وكان قد ولي على قضاء بغداد، وكانت له في يديه وصية، فسأله عنها، ثم قال له شعيب: يا عدو الله، وَثَبتَ على أحمد بالأمس ثم جئتَ تطلب الوصية! إنما أردت أن تتقرب إليَّ بذا؟! فزبره (٢)، ثم أقامه، فخرج بعد إلى حسبة العسكر" (٣).

وذكر الذهبي عنه أنه كان يقول: "كل من ذكرني ففي حل إلا مبتدعًا، وقد جعلت أبا إسحاق -يعني: المعتصم (٤) - في حل، ورأيت الله يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالعفو في قصة مسطح (٥)، قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك؟! " (٦).


(١) شعيب بن سهل الرازي يعرف بشعبويه، ولي قضاء الرصافة ببغداد أيام المعتصم، قال عنه الإمام أحمد: "أخزاه الله؛ كان يرى رأي جهم"، نقله عن أحمد في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٤/ ٣٤٧)، كان مبغضًا لأهل السنة، متحاملًا عليهم، منتقصًا لهم، لا يقبل لأحد منهم صرفًا ولا عدلًا، وتوفي سنة (٢٤٦ هـ)، ينظر أيضًا: تاريخ بغداد (١٠/ ٣٣٥)، تاريخ دمشق (٢٣/ ١٠٥).
(٢) أي: انتهره وزجره برفع صوته عليه.
ينظر: الصحاح (٢/ ٦٦٧)، المخصص (١/ ٢٢٠)، المعجم الوسيط (١/ ٣٨٨) مادة (زبر).
(٣) مناقب الإمام أحمد (٣٠٤)، سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٢١).
(٤) المعتصم بالله بن محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور العباسي أبو إسحاق بويع بالخلافة بعد وفاة المأمون سنة (٢١٨ هـ)، وكان من أعظم خلفاء بني العباس، ولما ولي الخلافة كان شهمًا في أيامه وله همة عالية، ومهابة عظيمة جدًّا، وامتحن الناس في عصره بفتنة خلق القرآن وأوذي الإمام أحمد رحمه الله، وثبته الله في هذه الفتنة العظيمة، توفي رحمه الله سنة (٢٢٧ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٩٠)، البداية والنهاية (١٤/ ٢٨٦)، الأعلام (٧/ ١٢٧).
(٥) مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصيّ المطلبيّ، وكان اسمه عوفًا ومسطح لقبه، وأمه بنت خالة أبي بكر -رضي الله عنه-، شهد بدرًا، وهو ممن خاضوا في الأفك بقذف عائشة رضي الله عنها، وجلده النبي -صلى الله عليه وسلم- حد القذف ضمن من أقام عليهم الحد، وحلف أبو بكر ألا ينفق عليه لما حصل منه، فنهاه الله عن ذلك، فقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٢٢]، فعاد أبو بكر للإنفاق عليه. توفي مسطح -رضي الله عنه- سنة (٣٤ هـ)، وقيل: سنة (٣٧ هـ).
ينظر: الاستيعاب (٤/ ١٤٧٢) لابن عبد البر، ت: البجاوي، دار الجيل بيروت، ط ١، ١٤١٢ هـ، أسد الغابة (٤/ ٣٨٠) لابن الاثير، دار الفكر بيروت، ١٤٠٩ هـ، الإصابة (٦/ ٧٤) لابن حجر، ت: عادل الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية بيروت، ط ١، ١٤١٥ هـ.
(٦) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٦١).

<<  <   >  >>