للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: ٤٩]، ويقول عنهم -سبحانه وتعالى- في يوم الأحزاب: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: ١٢]، وفي هذا الموقف العظيم ها هو يقول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه حينما عرضت صخرة وهم يحفرون الخندق: فَأَخَذَ -صلى الله عليه وسلم- الْمِعْوَلَ فَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ» فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا». ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا». ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ» وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبَرُ! أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا» (١).

ولأتباع الأنبياء نصيب من هذه النظرة المستقبلية التفاؤلية التي تسمى الفراسة.

و"عَنْ أَبِي قُتَيْلَةَ (٢) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّهُ حَقٌّ يَجْعَلُهُ اللهُ تَعَالَى


(١) أخرجه أحمد في المسند (٣٠/ ٦٢٦) ح (١٨٦٩٤)، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح وقال (٧/ ٣٩٧): "ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاء فأخذ المعول فقال: «بسم الله»، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: «الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة»، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر، فقال: «الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض»، ثم ضرب الثالثة وقال: «بسم الله»، فقطع بقية الحجر فقال: «الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة»، وضعف إسناده محقق المسند (٣٠/ ٦٢٦) ح (١٨٦٩٤)، والحديث له شواهد يتقوى بها، والرجل الذي في سنده وهو ميمون بن أستاذ البصري مختلف فيه، وإن كان الأكثرية على تضعيفه، والعلم عند الله تعالى.
(٢) مرثد بن وداعة، أبو قتيلة، الحمصي الكندي. اختلف في صحبته، قال البخاري: له صحبة، وقال أبو حاتم الرازي: ليست له صحبة، وإنما يروي عن عبد الله بن حوالة، وعده مسلم في التابعين.
ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٣/ ١٣٨٦)، أسد الغابة (٤/ ٣٦٣)، الإصابة (٦/ ٥٦).

<<  <   >  >>