للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٤٠].

وعَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا! فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ -يَا أَبَا بَكْرٍ- بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!».

ويَقُولُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنه-: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الغَدِ، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ، لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ -يَا رَسُولَ اللَّهِ- وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ (١) مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ -أَوْ: مَكَّةَ-، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالقَذَى -قَالَ: فَرَأَيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ-، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ (٢) كُثْبَةً (٣) مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ (٤) حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-


(١) والمقصود بالنفض هنا أن يتأكد من المكان ألا عدو به، قال ابن فارس رحمه الله: "ويستعار من الباب قولهم: نفضت الأرض، إذا بعثت من ينظر أبها عدو أم لا".
ينظر: مقاييس اللغة (٥/ ٤٦٢) مادة (نفض).
(٢) والقعب: إناء من خشب، والمقصود به هنا القدح الصغير.
ينظر: لسان العرب (١/ ٦٨٣) مادة (قعب).
(٣) الكثبة: قدر حلبة من اللبن تملأ القدح.
ينظر: الصحاح (١/ ٢٠٩) مادة (كثب).
(٤) وهو: إناء صغير من جلد يتخذ لوضع الماء فيه.
ينظر: لسان العرب (١٤/ ٢٥) مادة (أدا).

<<  <   >  >>