للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ المَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَا تَحْزَنْ؛ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا (١).

وقد سبق أن ذكرت مثالًا على تفاؤل النبي -صلى الله عليه وسلم- أرى من المناسب إعادته هنا (٢):

والنظرة التفاؤلية واستشراف المستقبل مع الثقة بنصر الله من أعظم ما يعين على الثبات، ولهذا شواهد، منها ما حصل في وقت من أصعب الأوقات التي مرت على المسلمين في يوم الأحزاب الذي قال الله عنه في بيان الحال التي وصلوا إليها: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: ١٠، ١١]، في لحظةٍ اشتد فيها الخوف والجوع والبرد، لكنه صلى الله عليه وسلم ينظر نظرة المتفائل بنصر الله الواثق بربه، وإن كانت نظرة أهل النفاق وأصحاب القلوب المريضة لا ترى شيئًا يلوح في الأفق القريب، وقد عبر القرآن الكريم بقوله


(١) أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (٤/ ٢٠١) ح (٣٦١٥)، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب في حديث الهجرة ويقال له: حديث الرَّحْلِ بالحاء (٤/ ٢٣٠٩) ح (٢٠٠٩).
(٢) ينظر: ص (٣٠٣).

<<  <   >  >>