للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» (١)، ولذا كان من منهج السلف رحمهم الله الحذر من مجالسة أهل البدع والأهواء والتحذير من ذلك أشد التحذير؛ لأن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، من تعرض لها تعلقت بقلبه وأفسدته.

وهذه المجالسة في زمننا لا يلزم منها حضور مجالسهم أو قراءة كتبهم؛ لأن مفهوم المجالسة تغير في زمننا بسبب ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعة نتاجهم الفكري الموجود على شبكة الإنترنت، أو المتابعة التي تتم من خلال البث الفضائي.

فيستطيع الواحد في هذا الزمن أن يجالس أهل البدع والأهواء ويرى ويسمع دروسهم وخطبهم ومحاضرتهم ويقرأ كتبهم وهو في بيته، وبينه وبينهم المسافات الشاسعة، وأضف إلى هذا ضعف العلم الشرعي وضعف التمسك بالدين عند المتلقي، وقدرة أصحاب الباطل على المحاجة وتلبيس الحق بالباطل؛ ولذا كان الخطر عظيمًا والخطب جليلًا، وحينها نعرف لماذا يحذر السلف من مجالسة أهل الأهواء، ويحرصون على عدم سماع كلامهم مع قوتهم العلمية، وتمكن الدين من قلوبهم، وقدرتهم على المحاجة والمجادلة، إلا أن السلامة لا يعدلها شيء، والقلوب ضعيفة، والشبه خطافة، والشياطين حاضرة تمد أصحابها بزخرف القول الذي قال الله عنه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢].

قال إبراهيم النخعي رحمه الله: "لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم تذهب بنور


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٨٩) ح (١٤٣)، وابن حبان في صحيحه في كتاب العلم، ذكر ما كان يتخوف -صلى الله عليه وسلم- على أمته جدال المنافق (١/ ٢٨١)، ح (٨٠)، وقال في مجمع الزوائد في كتاب العلم، باب .. (١/ ١٨٧) ح (٨٨٦): "رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، ورجاله موثقون"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ١٠٧) ح (٢٣٩)، وقال محقق مسند أحمد (١/ ٢٨٩): "سنده قوي".

<<  <   >  >>