للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البِغْضَة في قلوب المؤمنين" (١).

وذكر الذهبي رحمه الله: "عن سفيان الثوري عليه رحمة الله: من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة، وهو يعلم، خرج من عصمة الله، ووكل إلى نفسه.

وعنه: من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم.

قلت: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة" (٢).

ومعنى كلام الإمام الذهبي رحمه الله: أن السلف يحذرون من سماع كلام أهل البدع؛ لأن القلوب ضعيفة سريعة التأثر بما تسمع، والشبه تخطف القلوب، وتميل بها عن طريق الهدى، ويزينها الشيطان فتزل القدم بعد ثبوتها.

وذكر العلماء رحمهم الله (٣) آثارًا عن السلف في التحذير من مجالسة أهل الأهواء لخطورتها على القلوب، ومن ذلك: "قال أبو قلابة (٤) رحمه الله: لا تجالسوا أهل الأهواء -أو قال: أصحاب الخصومات-؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.

ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين (٥)، فقالا: يا أبا بكر،


(١) الإبانة الكبرى (٢/ ٤٣٩).
والبِغْضَة أي: لا تحبه قلوب المؤمنين. ينظر: الصحاح (٣/ ١٠٦٦ - ١٠٦٧) مادة (بغض).
(٢) سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٦١).
(٣) ينظر: الشريعة (١/ ٤٣٥ - ٤٤٠)، الإبانة الكبرى (٥/ ٢٥٤٤ - ٢٥٤٦)، شرح أصول أعتقاد أهل السنة (١/ ١٠١، ١٥٠ - ١٥١).
(٤) الإمام، شيخ الإسلام، عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي البصري، ثقة كثير الحديث، توفي رحمه الله سنة (١٠٤ هـ)، وقيل: سنة (١٠٥ هـ)، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
ينظر: الطبقات الكبرى (٧/ ١٨٣)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٦٨)، الأعلام (٤/ ٨٨).
(٥) الإمام، شيخ الإسلام محمد بن سيرين أبو بكر البصري مولى أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال أشعث: كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام، تغير لونه حتى تقول: كأنه ليس بالذي كان، توفي رحمه الله سنة (١١٠ هـ).
ينظر: تاريخ بغداد (٣/ ٢٨٣)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٦٠٦)، الأعلام (٦/ ١٥٤).

<<  <   >  >>