للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: ١٠٨]، وفي قوله تعالى: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} تنبيه على الإخلاص في الدعوة؛ لأن من الناس من يدعو إلى نفسه (١).

ولأن الدعاة ينقسمون إلى داع إلى الله تعالى، وداع إلى الله -فيما يزعم- وهو يدعو إلى غيره، فالداعي إلى الله هو المخلص الذي يهمه إيصال الناس إلى الله، وأن يحذرهم مما يبعدهم عنه، ولا يريد من أحد جزاء ولا شكورًا، وإنما يريد الجزاء من الله وحده لا شريك له، أما الداعي الذي يزعم أنه يدعو إلى الله وهو في الحقيقة يدعو إلى غيره، قد يكون داعيًا إلى نفسه، لأجل أن يحصل على مكاسب سياسية، أو يدعو لأجل أن يعظّم بين الناس ويحترم، ولهذا تجده يغضب إذا لم يفعل الناس ما أمرهم به، ولا يغضب إذا ارتكبوا نهيًا أعظم منه، لكن لم يدع إلى تركه (٢).

ويغضب لنفسه إذا لم يُسْمَع كلامه أو لم يؤخذ بمشورته؛ لأن المصلحة مثلًا اقتضت عدم الأخذ برأيه، فتثور ثائرته لأجل ذلك، وربما يصل به الشطط إلى البحث عن العيوب لينتقم لنفسه، وإذا حصل خلل ما استغله ليبين أنه لم يؤخذ بمشورته، وهذه نتيجة ذلك، وحين ينكشف ما في النفوس، تظهر أن الحمية هنا ليست لله بل لمصالح شخصية.

وقد يغضب في داخل نفسه إذا لم يصدّر في المجلس، أو لم تقدم له التسهيلات، بحجة سابقته في الدعوة، أو مكانته العلمية، أو منصبه العلمي، أو بأنه القائد والمربي الذي ينبغي احترامه وتبجيله وتقديره فتوسع له المجالس، أو نحو ذلك من الأمور المغلفة بحظوظ النفس.

وقد يكون داعيًا إلى حزب أو جماعة، فهو لا يخرج في دعوته عن مطالب هذه


(١) ينظر: كتاب التوحيد (٢١) لمحمد بن عبد الوهاب، ت: عبد العزيز السعيد، من مطبوعات جامعة الإمام بالرياض.
(٢) ينظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (١/ ١٢٩) لابن عثيمين، دار ابن الجوزي، ط ٢، ١٤٢٤ هـ.

<<  <   >  >>