للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يعرف دين العبد وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي" (١).

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦].

وفي الآية الكريمة منهج تربوي عظيم ينبغي أن يسير عليه المسلمون عامة والدعاة خاصة، وهو منهج التثبت والتبين وعدم العجلة، في بناء الأحكام على يأتي من خبر، وبالذات خبر الفاسق أو المجهول، وقال السعدي رحمه الله: "وهذا أيضًا من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصُدِّق، وإن دلت على كذبه كُذِّب، ولم يعمل به. ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا" (٢).

ويلحق بالفاسق -والله أعلم- الشخص المجهول أو المصدر المجهول الذي لا يعرف صدقه من كذبه، أو بمصطلح العصر ما يسمى بالشائعات، فينبغي على الداعية أن يتثبت ويتبين عند حصول خبر من هذه المصادر، حتى لا يبني عليه أحكامًا يندم عليها، يكون ضررها عليه وعلى دعوته، قال تعالى في بيان المنهج: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ


(١) تفسير السعدي (١٩٤).
(٢) تفسير السعدي (٨٠٠).

<<  <   >  >>