للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المعاملة من المفاسد وتعطيل المصالح ما حصل، ومع ذلك تجده محتقرًا لمن اتصف بصفات الرسول الكريم، وقد رماه بالنفاق والمداهنة، وقد كمّل نفسه ورفعها، وأعجب بعمله، فهل هذا إلا من جهله، وتزيين الشيطان وخدعه له؟! " (١).

وبرحمته ولينه وكريم خلقه -صلى الله عليه وسلم- جذب القلوب إليه أشد من جذب المغناطيس لبرادة الحديد، تعلقت به القلوب وأحبته حبًّا عظيمًا يفوق حب النفس والوالد والولد والناس جميعًا والمال.

يقول عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في حبه لرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ" (٢).

ويقول عروة بن مسعود الثقفي -رضي الله عنه- لقريش وهو يصف محبة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- له: "أَيْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ" (٣).

وهكذا الداعية الذي يقتدي بنبيه -صلى الله عليه وسلم- ويسير على منهجه في الرحمة بالمدعوين واللين معهم في مواعظه وتعامله، فيؤدّي ذلك إلى قبول الناس لدعوته، وتنفذ مواعظه إلى قلوبهم، ويقبلون عليها، كما يقبل العطشان على الماء البارد.


(١) تفسير السعدي (٥٩٩).
(٢) أخرجه مسلم (١/ ١١٢).
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ١٩٥).

<<  <   >  >>