للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٩ - الرفق:

والرفق خلق عظيم يرتبط ارتباطاً وثيقاً باللين والرحمة، وهو من الصفات التي تمكن الداعية من الحسن في الموعظة، ومعناه: "لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف" (١)، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».

وعَنْ جَرِيرٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ» (٢).

وفي رواية للحديث: يقول -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ كُلَّهُ» (٣).

وإذا كان الداعية يتصف بالرفق تجده يحسن القول في وعظه؛ لأن خلق الرفق يمنع من سوء القول في الموعظة، بل يحرص على حسن الموعظة، وعلى الرفق بالمدعوين في تصحيح أخطائهم أو في دعوتهم إلى الخير، فيجعل الله لمواعظه القبول والأثر الحسن.

المطلب الثالث: نموذج على الموعظة الحسنة:

ودونك هذا النموذج العظيم الذي يظهر فيه أثر الموعظة الحسنة على المخاطبين، فآثرت أن أنقله كما هو بدون تعليق عليه؛ لأن تعليقي أحسب أنه يذهب روعته:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ،


(١) فتح الباري (١٠/ ٤٤٩).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (٤/ ٢٠٠٣) ح (٢٥٩٢).
(٣) وهي عند أبي داود من حديث جرير -رضي الله عنه-، في كتاب الأدب، باب في الرفق (٤/ ٢٥٥) ح (٤٨٠٩)، وصححها الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١١٢٣) ح (٦٦٠٦)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (٧/ ١٨٧) ح (٤٨٠٩): "إسناده صحيح".

<<  <   >  >>