للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريقهم من الدعاة إلى الله تعالى.

ومن أبرز الأمثلة على الحرص الشديد على هداية الناس ما كان من نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخبر الله في كتابه عن ذلك فقال -سبحانه وتعالى-: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: ٦].

يقول الشيخ السعدي رحمه الله: "ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على هداية الخلق، ساعيًا في ذلك أعظم السعي، فكان -صلى الله عليه وسلم- يفرح ويسر بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقة منه -صلى الله عليه وسلم- عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الأخرى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣]، وقال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: ٨]، وهنا قال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي: مهلكها غمًّا وأسفًا عليهم؛ وذلك أن أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرًا لهداهم، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غمًّا وأسفًا عليهم ليس فيه فائدة لك.

وفي هذه الآية ونحوها عبرة، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه، مع التوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فبها ونعمت، وإلا فلا يحزن ولا يأسف، فإن ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه، وما عدا ذلك فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله له: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦]، وموسى -عليه السلام- يقول: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} الآية [المائدة: ٢٥]، فمن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى:

<<  <   >  >>