للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢١، ٢٢] " (١).

والحرص على هداية الناس يدل على قلب رحيم مشفق على العباد، يريد الخير لهم، والنجاة من العذاب، وقد جاء في السنة أمثلة على حرصه -صلى الله عليه وسلم- الشديد على هداية الناس، فمن ذلك ما يرويه ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى البَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إِلَى الجَبَلِ فَنَادَى: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ؟ أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل-: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] إِلَى آخِرِهَا (٢).

وعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ (٣)، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا (٤)، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ


(١) تفسير السعدي (٤٧٠).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: ١، ٢] (٦/ ١٨٠) ح (٤٩٧٢).
(٣) قال النووي رحمه الله في معنى (النذير العريان): "قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم ليخبرهم بما دهمهم .. قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرًا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو. وقيل معناه: أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذ ثيابي فأنا أنذركم عريانًا".
ينظر: شرح النووي على مسلم (١٥/ ٤٨).
(٤) قال الجوهري رحمه الله: "أَدْلَجَ القوم، إذا ساروا من أوّل الليل".
ينظر: الصحاح (١/ ٣١٥) مادة (دلج).

<<  <   >  >>