للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (١).

دلت الأحاديث السابقة على حرمة الخروج على ولاة الأمر وخطره العظيم على من يقع فيه، فإنه يموت ميتة جاهلية، ومعناه أي: على الصفة التي يموت عليها أهل الجاهلية، فوضى على ضلال، لا إمام لهم لأنهم لا يعرفون ذلك (٢)، وأنه لا حجة له ولا عذر له عند الله؛ لأن في الخروج شرًّا عظيمًا على من خرج وعلى الأمة، ولهذا نقل ابن بطال رحمه الله أن "الفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد، وأنصف المظلوم في الأغلب، فإن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من تسكين الدهماء وحقن الدماء … فتسمع له وتطيع في الحق … ما لم يأمر بنقض شريعة، ولا بهتك حرمة لله تعالى، فإذا فعل ذلك فعلى الناس الإنكار عليه بقدر الاستطاعة، فإن لم يستطيعوا لزموا بيوتهم، أو خرجوا من البلدة إلى


(١) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر (٣/ ١٤٧٨) ح (١٨٥١).
(٢) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٢/ ٢٣٨)، فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٧)، وعلق ابن حجر رحمه الله في الفتح (١٣/ ٧) على حديث (ميتة جاهلية) قائلًا: "وليس المراد أنه يموت كافرًا بل يموت عاصيًا، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهليًّا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد، ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث الآخر: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» أخرجه الترمذي، وابن خزيمة وابن حبان ومصححًا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري في أثناء حديث طويل، وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث بن عباس، وفي سنده خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ وفيه مقال".

<<  <   >  >>