للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السعدي رحمه الله: "وأن هذا الكتاب يحتوي على المحكم الواضح المعاني البين الذي لا يشتبه بغيره، ومنه آيات متشابهات، تحتمل بعض المعاني، ولا يتعين منها واحد من الاحتمالين بمجردها، حتى تضم إلى المحكم.

فالذين في قلوبهم مرض وزيغ وانحراف -لسوء قصدهم- يتبعون المتشابه منه، فيستدلون به على مقالاتهم الباطلة وآرائهم الزائفة، طلبًا للفتنة، وتحريفًا لكتابه، وتأويلًا له على مشاربهم ومذاهبهم لِيَضِلوا ويُضِلوا" (١). ثم أتم كلامه بعد ذلك في تفسير تكملة الآية والتي تليها عند قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٧، ٨]، فقال رحمه الله (٢): "وأما أهل العلم الراسخون فيه، الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم، فأثمر لهم العمل والمعارف، فيعلمون أن القرآن كله من عند الله، وأن كله حق، محكمه ومتشابهه، وأن الحق لا يتناقض ولا يختلف.

فلعلمهم أن المحكمات معناها في غاية الصراحة والبيان، يردون إليها المشتبه، الذي تحصل فيه الحيرة لناقص العلم وناقص المعرفة، فيردون المتشابه إلى المحكم، فيعود كله محكمًا، ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ} للأمور النافعة، والعلوم الصائبة، {إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: أهل العقول الرزينة، ففي هذا دليل على أن هذا من علامة أولي الألباب، وأن اتباع المتشابه من أوصاف أهل الآراء السقيمة والعقول الواهية والقصود السيئة.

وقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} إن أريد بالتأويل معرفة عاقبة الأمور، وما


(١) تفسير السعدي (٩٦٢).
(٢) أي: السعدي.

<<  <   >  >>