للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنتهي وتؤول إليه، تعين الوقوف على {إِلَّا اللَّهُ} حيث هو تعالى المتفرد بالتأويل بهذا المعنى، وإن أريد بالتأويل معنى التفسير ومعرفة معنى الكلام كان العطف أولى، فيكون هذا مدحًا للراسخين في العلم أنهم يعلمون كيف ينزلون نصوص الكتاب والسنة، محكمها ومتشابهها، ولما كان المقام مقام انقسام إلى منحرفين ومستقيمين، دعوا الله تعالى أن يثبتهم على الإيمان، فقالوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} أي: لا تملها عن الحق إلى الباطل، {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} تصلح بها أحوالنا {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} أي: كثير الفضل والهبات، وذلك أن الله تعالى ذكر عن الراسخين أنهم يسألونه أن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم" (١).

٢ - ومن أسباب الوقوع في الشبهات ما يحصل من مرض للقلب بسبب كسب العبد، فقد أخبر سبحانه عن الأسباب التي بها تزيغ قلوب أهل الأهواء الذين اتبعوا المتشابه ابتغاء الفتنة ورغبة في تأوله على غير مراد الله تعالى، وذلك ناتج عن كسبهم وسعيهم في الضلال والإضلال، فيعاقبهم الله بعدم عصمتهم من فتنة الشبهات، فيقعوا فيها، وما ظلمهم الله لكنهم ظلموا أنفسهم، كما قال الله عنهم: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: ١٢٧]، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠]، فالعبد إذا تولى عن ربه، وأعرض عن الحق، ووالى أعداءه، ورأى الباطل فاختاره، وكره الحق واتباعه، فإن الله يوله ما تولى، ويزيغ قلبه عقوبة له على ما


(١) تفسير السعدي (٩٦٢).

<<  <   >  >>