للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من نصرته، ويسلط عليكم عدوكم" (١).

وعلى هذا فإن ميل الداعية إلى الظلمة وركونه إلى أعداء الله يكون سببًا لتسلط الأعداء عليه في الدنيا، ثم لا يجد نصر الله حليفه، بل يخذله ويتركه لعدوه يتسلط عليه، فيصرفه عن دعوته، وتصيبه الفتنة والعذاب الأليم في الآخرة، فتمسه النار.

وقال تعالى محذرًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أشد التحذير من الميل اليسير إلى الكفار، في وعيد تنخلع منه القلوب، وإذا كان هذا الوعيد العظيم مع نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحاشاه أن يقع في ذلك- فكيف بمن عداه؟!

{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: ٧٣ - ٧٥].

قال السعدي رحمه الله في معنى الآيات: "يذكر تعالى منته على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} أي: قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه، وتحيلوا لك، على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك.

{وَإِذًا} لو فعلت ما يهوون {لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} أي: حبيبًا صفيًّا، أعز عليهم من أحبابهم؛ لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو.


(١) تفسير الطبري (١٢/ ٥٩٩).

<<  <   >  >>