للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إلا للحق الذي جئت به، لا لذاتك، كما قال الله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، {وَ} مع هذا فـ {لَوْلَآ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم، {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} من كثرة المعالجة، ومحبتك لهدايتهم.

{إِذًا} لو ركنت إليهم بما يهوون {لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي: لأصبناك بعذاب مضاعف، في الحياة الدنيا والآخرة؛ وذلك لكمال نعمة الله عليك، وكمال معرفتك.

{ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر، ومن البشر، فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة … وفي هذه الآيات دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقًا لربه أن يثبته على الإيمان، ساعيًا في كل سبب موصل إلى ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الخلق- قال الله له: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}، فكيف بغيره؟!

وفيها: تذكير الله لرسوله منته عليه، وعصمته من الشر، فدل ذلك على أن الله يحب من عباده أن يتفطنوا لإنعامه عليهم -عند وجود أسباب الشر- بالعصمة منه، والثبات على الإيمان.

وفيها: أنه بحسب علو مرتبة العبد وتواتر النعم عليه من الله يعظم إثمه، ويتضاعف جرمه، إذا فعل ما يلام عليه؛ لأن الله ذكر رسوله لو فعل -وحاشاه من ذلك- بقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا

<<  <   >  >>