للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٤].

والآيات وإن كانت نازلة في أهل الكتاب، حينما كتموا نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، والصحيح أنها عامة في كل من يشابههم في كتم الحق (١)، ويؤيد كونها عامة قول أبي هريرة -رضي الله عنه-: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ! وَاللَّهُ المَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟! وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا: «لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ، فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا»، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ، مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩] إِلَى قَوْلِهِ: {الرَّحِيمُ} [البقرة: ١٦٠] (٢).

وقال ابن جرير رحمه الله في بيان أن هذه الآية عامة في كل من كتم علمًا: "وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاص من الناس، فإنها معنيٌ بها كلُّ كاتمٍ علمًا فرض الله تعالى بيانه للناس" (٣).


(١) ينظر في تفسير هذه الآيات: تفسير الطبري (٢/ ٧٢٩ - ٧٣٢)، تفسير ابن كثير (١/ ٤٧٢ - ٤٧٣)، تفسير السعدي (٧٧).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب المزارعة، باب ما جاء في الغرس (٣/ ١٠٩) ح (٢٣٥٠)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة -رضي الله عنهم-، باب من فضائل أبي هريرة الدوسي -رضي الله عنه- (٤/ ١٩٤٠) ح (٢٤٩٣).
(٣) تفسير الطبري (٢/ ٧٣١).

<<  <   >  >>