للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: ٢٥ - ٢٩].

وفي يوم القيامة يذهب الله أعمالهم من بين أيديهم ويجعلها هباءً منثورًا، فعَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا».

فغفلتهم عن علم الله واطلاعه عليهم في الدنيا جعلهم ينتهكون محارم الله إذا خلوا وأبعدوا عن أعين الناس، يقول تعالى: {كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [فصلت: ٢٢، ٢٣].

قال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ} "أي: وما كنتم تختفون عن شهادة أعضائكم عليكم، ولا تحاذرون من ذلك، {ظَنَنْتُمْ أَنَّ} بإقدامكم على المعاصي {اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)} فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم؛ ولهذا قال: {ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} الظن السيئ، حيث ظننتم به ما لا يليق بجلاله، {فَأَصْبَحْتُمْ} أي: أهلككم {مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} لأنفسهم وأهليهم وأديانهم؛ بسبب الأعمال التي أوجبها

<<  <   >  >>