للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الختم على القلوب عقوبة لهم بسبب منهم، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: ٥].

وقال السعدي (١) رحمه الله في بيان أثر الزيغ الذي حدث منهم على قلوبهم: " {فَلَمَّا زَاغُوا} أي: انصرفوا عن الحق بقصدهم، {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها، ولم يوفقهم الله للهدى؛ لأنهم لا يليق بهم الخير، ولا يصلحون إلا للشر، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الذين لم يزل الفسق وصفًا لهم، لا لهم قصد في الهدى. وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده، ليس ظلمًا منه، ولا حجة لهم عليه، وإنما ذلك بسبب منهم، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه، وتقليب القلوب عقوبة لهم وعدلًا منه بهم، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١١٠] " (٢).


(١) العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله، أبو عبد الله السعدي، واشتغل بالعلم منذ صغره، ففاق الأقران، وكانت له عناية كبيرة بكتب ابن تيمية ابن القيم، وكتب أخرى في التفسير والحديث والتوحيد والفقه والأصول وغيرها، وكان متواضعًا حسن الخلق، ومن قرأ كتبه عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل فرحمه الله رحمة واسعة. وللشيخ الكثير من المؤلفات، منها: الحق الواضح المبين في توحيد الأنبياء والمرسلين، وتوضيح الكافية الشافية لابن القيم، وكتابه في التفسير المسمى: تيسير الكريم الرحمن، الذي أبدى فيه عقيدته السلفية، وتوفي رحمه الله على إثر مرض أصابه في سنة (١٣٧٦ هـ).
ينظر: الأعلام للزركلي (٣/ ٣٤٠)، موسوعة مواقف السلف (٩/ ٣٢٧).
(٢) تفسير السعدي (٨٥٩).

<<  <   >  >>