العلماء والأدباء بتشجيع السلاطين والأمراء هو الذي ربط بين التيارين السابق واللاحق، وعوض الخسارة التي لحقتنا على أيدي التتار الذين أقاموا من كتبنا جسرًا على نهر دجلة؛ وما لم يعدموه غرقًا أعدموه حرقًا".
أقول: وقد يكون ما ذكره الدكتور عبده قلقيله صحيحًا في أول عصر المماليك، أي إِلى حدود سنة ٧٧٠ هـ، أما بعد ذلك التاريخ فالظاهر أن الحالة العلمية بدأت في الركود، واتجه كثير من العلماء إِلى اختصار جهود السابقين، أو وضع الحواشي؛ أو اختصار بعض المطولات؛ ولم ينبغ بعد التاريخ المذكور إِلا أفراد قلائل من العلماء (١).
وقد ذكرت أن المعلمين وأمكنة التعليم والمكتبات كانت متوافرة في ذلك الوقت. ولعل الركود الذي حصل في هذا العصر يرجع إِلى أمرين:
الأمر الأول: عدم الاستقرار في البلاد؛ بسبب كثرة تغير السلاطين، وكثرة الفتن. ومعلوم أن النبوغ نتاج للاستقرار والأمن غالبًا.
الأمر الثاني: وصول الكثير من العلوم الشرعية واللغوية في هذا العصر إِلى مرحلة النضوج؛ ومن هنا فقد ضاقت مجالات الإبداع.
* * *
(١) عن الحالة العلمية في ذلك الوقت؛ ومن نبغ فيه من العلماء؛ انظر: خطط الشام (٤/ ٤٩) فما بعدها.