للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما حكمي: وهو أن يعزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، فهذا حكمه حكم من كررها فعلًا. بخلاف من تاب منها ونوى الإقلاع. فلو ذهل عن ذلك، ولم يعزم على شيء: فهذا هو الذى تكفره الأعمال الصالحة من الصلاة والصوم والجمعة والوضوء كما دل عليه الحديث (١) لكن هل شرط التكفير عدم ملابسته لشيء (٢) أو لا يشترط ذلك: على قولين (٣)؛ والأظهر: لا يشترط.

الاعتبار الثاني: الإصرار بالفعل: وقد حكي الرافعي (٤) فيه كلامين للإِصحاب: "أحدهما: أن المراد به المداومة على نوع واحد من الصغائر، ولا توبة. الثاني: أنه الإكثار من جنس الصغائر، سواء اختلفت أنواعها أو اتحدت".

قال الرافعي (٥): "وهو الموافق لكلام الجمهور؛ لأنهم قالوا: من غلبت طاعتُه معاصيه: كان عدلًا، ومن غلبت معاصية طاعتَه: كان مردود الشهادة". وهكذا نص عليه الشافعي: فإِنه قال (٦): "ليس أحدٌ من الناس نعلمه - إِلا أن يكون قليلًا - يُمَحِّضُ الطاعةَ والمروءةَ حتى لا يخلطهما بمعصية ولا بترك مروءة، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخطلهما بشيء من الطاعة والمروءةِ: فإِن كان الأغلبُ على الرجل


(١) لعل الحديث المقصود هو ما أخرجه مسلم ونصه: "عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (الصلوات الخص، والجمعة، إِلى الجمعة ورمضان إِلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إِذا اجْتَنَبَ الكبائرَ) ".
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: الصلوات الخمس و ... . . مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. انظر: صحيح مسلم (١/ ٢٠٩)، رقم الحديث (١٦).
(٢) في: المجموع المذهب: ورقة (١٦٨/ ب): "لشيء من الكبائر".
(٣) قال العلائي: "حسبما فهم من الحديث الوارد في ذلك" المجموع المذهب: ورقة (١٦٨/ ب).
(٤) في: فتح العزيز ص ٩: ورقة (٦٩/أ).
(٥) القول التالي فيه تصرف يسير، وانظر: نصه في: فتح العزيز، ص ٩: ورقة (١١٦٩).
(٦) انظر: القول التالي في مختصر المزني (٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>