وقوله:"ما سار أحد" ما: نافية، وفي رواية الترمذي:(ما سار راكب بليل) يعني: وحده.
قال الطيبي: وكان من حق الظاهر أن يقال: ما سار أحد وحده، فقيده بـ (الراكب) وبـ (الليل) لأن الخطر بالليل أكثر؛ فإن انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب، ومنه قولُهم:(الليل أَخْفَى للوَيْل)، وقولُهم:(أَعْذَرَ اليلُ) لأنه إذا أظلم كثر فيه العذر، لا سيما إذا كان راكبًا؛ فإن له خوف وجل المركوب من النفور من أدنى شيء والتهوي في الوحدة، بخلاف الراجل.
قال القاري: ويمكن التقييد بالراكب؛ ليفيد أن الراجلَ ممنوعٌ بطريق الأَوْلَى، ولئلا يتوهم أن الوحدة لا تطلق على الراكب؛ كما لا يخفى.
قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر، فيؤخذ من حديث جابر المذكور في الصحيح جواز السفر منفردًا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد؛ كإرسال الجاسوس والطليعة، والكراهة لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة، وقد وقع في كتب المغازي بعْثُ كلٍّ من حذيفة، ونُعيم بن مسعود، وعبد الله بن أنيس، وخوات بن جبير، وعمرو بن أمية، وسالم بن عمير، في عدة مواطن، وبعضها في الصحيح، ذكره الحافظ في "الفتح". انتهى من "تحفة الأحوذي".
قلت: وحديث جابر الذي أشار إليه ابن المنير أخرجه البخاري في الجهاد وغيره، ولفظه: (ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق، فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم؛ فانتدب الزبير ثلاثًا،