قال القرطبي: ومعنى حياة الشهداء: أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم؛ بأن جعلت في جوف طير خضر؛ كما في حديث ابن مسعود، أو في حواصل طير خضر؛ كما في الحديث الآخر؛ صيانةً لتلك الأرواح، ومبالغةً في إكرامها؛ لاطلاعها على ما في الجَنَّة من المحاسن والنعم؛ كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه، ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجَنَّة وطيبها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به.
وأما اللذات الجسمانية؛ فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها .. استوفت من النعيم جميع ما أعد الله تعالى لهم.
ثم إن أرواحهم بعد سرحها في الجَنَّة ترجع تلك الطيور بهم إلى مواضع مكرمة مشرفة منورة عبر عنها بالقناديل؛ لكثرة أنوارها وشدتها، والله أعلم.
وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء؛ كما دلت عليه الآية والحديث. انتهى.
وأما حديث مالك الذي قال فيه:"إنما نسمة المؤمن طائر يعلق بثمر الجَنَّة" رواه في "الموطأ"(١/ ٢٤٠) .. فالمراد بالمؤمن فيه: الشهيد، والحديثان واحد في المعنى؛ من باب حمل المطلق على المقيد، وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر:"إذا مات الإنسان .. عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجَنَّة أو النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه إلى يوم القيامة" رواه أحمد (٥/ ٥١)، والبخاري (٥/ ٦٥)، والنسائي (٤/ ١٠٧)، وابن ماجة (٤٢٧٠).