وقد فهم الجمهورُ من تحريم الخمر وبيعها، والمنع من إلا نتفاع بها، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها .. الحُكمَ بنجاستها، وخالفهم في ذلك ربيعة وحده من السلف، فرأى أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شُرْبُها، وهو قول يرده ما تقدم، وما كان يليق بأصول ربيعة؛ فإنه قد علم أن الشرع قد بالغ في ذم الخمر حتى لعنها وعشرةً؛ كمعصرها وبائعها وشاربها بسببها، رواه الترمذي.
وأمرَنا باجتنابها وبالغ في الوعيد عليها، فمن المناسب بتصرفاتِ الشرع الحُكْمُ بتنجيسها؛ مبالغةً في المباعدةِ عنها، وحمايةً لقُرْبَانِها.
فإن قيل: التنجيس حكم شرعي ولا نص فيه، فلا يلزم من كون الشيء محرمأ أن يكون نجسًا؛ فكم من محرم في الشرع ليس بنجس؟
فالجواب: أنها وإن لم يكن فيها نص بالوضع المتحد، لكن فيها ما يدل دلالة النصوصية بمجموع قرائن الآية ومساقها، ويَعْرِفُ ذلك من تصفح الايةَ وتفهَمها، ثم ينضافُ إلى الآية جملة ما ذكرناه، فيحصلُ اليقين بالحكمِ بتنجيسها.
وقوله: لا يلزم من الحكم بالتحريم الحكم بالتنجيس؟
قلنا: لم نستدل بمجرد التحريم، بل بتحريم مستخبث شرعي يحرم شربه، فيكون نجسًا؛ كالبول والدم، وهذا هو الأولى بربيعة؛ فإنه الملقب بربيعة الرأي، والله تعالى أعلم. انتهى من "المفهم".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، ومسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير، وأبو داوود في كتاب البيوع والإجارة، باب الأكل من ثمن الخمر،