قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب "الاستيعاب": شرط كتابنا هذا أن نذكر فيه كل من كان مسلمًا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ولم نذكر فيه أكثم بن صيفي الخزاعي المعروف بابن الجون؛ لأنه لم يصح إسلامه في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكره أبو علي ابن السكن في كتاب "الصحابة"، فلم يصنع شيئًا، والحديث الذي ذكره له في ذلك هو أن قال: (لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -. . أراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه، قالوا: أنت كبيرنا لم تك لتخف إليه، قال: فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه، قال: فانتدب رجلان، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت وبم جئت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا محمَّد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله"، ثمَّ تلا عليهم هذه الآية:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى. . .} الآية (١).
فأتيا أكثم بن صيفي، فقالا: أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه، فوجدناه زاكي النسب واسط في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد حفظناهن، فلما سمعهن أكثم. . قال: أي قوم؛ أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا، ولا تكونوا فيه أذنابًا، وكونوا فيه أولًا، ولا تكونوا فيه آخرًا، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فقال: أوصيكم بتقوى الله تعالى، وصلةِ الرَّحمِ؛ فإنَّه لا يَبْلَى عَليْها أصل. . . وذكر الحديث إلى آخره.