(قال) ثوبان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر): وهو مُدُّةُ الأجل التي أجلها الله تعالى لعباده في دار الفناء (إلا البِر) أي: إلا صلةُ الرحم، أو هو: كُل ما هو خير عند الله تعالى؛ والمراد بازدياد العمر: بركتُه بأعمال الخير؛ والبارُّ: مَنْ يصل الرحم.
والمعنى: لا يزيدُ في العمر ولا يبارك فيه إلا البرُّ؛ إما لأن البار يَنْتَفِعُ بعمره وإن قلَّ أكثرَ مما ينتفعُ به غيره وإن كَثُر، وإما لأنه يُزاد له في العمر حقيقةً؛ بمعنى: أنه لو لم يكن بارًا .. لَقَصُر عُمْرُه عن القَدْرِ الذي كانَ إِذا بَرَّ، لا بمعنى: أنه يكون أطولَ عمرًا مِن غير البار، ثُمَّ التفاوت إنما يظهر في التقديرِ المُعلَّق، لا فيما يعلم الله تعالى أن الأمر يَصِيرُ إليه؛ فإن ذلك لا يقبلُ التغييرَ، وإليه يشير قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}(١).
ومثله قوله:(ولا يَردُّ القدر) أي: يَدْفَع الحكم المقدر على العبد أزلًا شيءٌ و (إلا الدعاء) والمراد بـ (القدَر): الحكمُ المقدر أزلًا.
ولا يخفى ما بين الحصرين؛ أعني قوله:(إلا البر) وقوله: (إلا الدعاء) من التناقض، فيجاب: بحمل المقدر في الثاني على غير العمر، فليتأمل.
قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مردَّ له؟
يقال: إن من جملة القضاء رَدُّ البلاء بالدعاءِ؛ فإن الدعاء سببُ ردِّ البلاء ووجودِ الرحمة؛ كما أن البَذْرَ سببٌ لخروج النبات من الأرض، وكما: أن التُّرس يَدْفَع السهم .. كذلك الدعاءُ يرد البلاءَ. انتهى.