للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ".

===

في الدنيا كأنك غريب) في انقطاع التعلق إلا ما يتعلق بسفره من مركب وزاد.

(أو كأنك عابر سبيل) أي: مار في الطريق، لا يحصل منه التفات إلى يمنة أو يسرة (وعد نفسك) - بضم المهملة - أمر من عد يعد؛ من باب شد (من أهل القبور) الذين لا أنيس لهم إلا عملهم.

قال مجاهد: قال لي ابن عمر في تفسير هذا الحديث: (إذا أصبحت .. فلا تحدث نفسك بالمساء) أي: بمجيء المساء عليك (وإذا أمسيت .. فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك؛ فإنك لا تدري) ولا تعلم (يا عبد الله ما اسمك غدًا) عند لقاء ربك يوم القيامة؛ أي: لا تعلم هل اسمك شقي أوسعيد؟

قوله: "أو عابر سبيل" قال الطيبي: ليست (أو) للشك، بل للتخيير أو الإباحة، والأحسن: أن تكون بمعنى بل الإضرابية.

فشبه السالك بـ: (الغريب) الذي ليس له مسكن يأويه، ولا مسكن يسكنه، ثم ترقى وأضرب عنه إلى (عابر السبيل) لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة، بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع، بينهما أودية مردية، ومفاوز مهلكة وقطاع طريق؛ فإن من شأنه ألا يقيم لحظةً، ولا يسكن لمحةً، ومن ثم عقبه بقوله: (وعد نفسك من أهل القبور) والمعنى: استمر سائرًا ولا تفتر؛ فإنك إن قصرت .. انقطعت وهلكت في الأودية، وهذا معنى المشبه به.

وأما المشبه .. فهو قوله: (وخذ من صحتك لمرضك) أي: إن العمر لا يخلو عن صحة ومرض، فإذا كنت صحيحًا .. فسر سير القصد، وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة، بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائمًا مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف، ذكره الحافظ في "الفتح" (١١/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>