ولأن الثانية دون الأُولى؛ لأن صفاته كلها كاملة عظيمة، ولأن ما فعل من آثار الأولى فيما سبق .. أكثر مما فعل من آثار الثانية.
وقوله:"إن رحمتي تغلب غضبي" مفعولُ (كتب) وهذا بالنظر إلى مظاهرها، والبقيةُ يدخل النار؛ إما لأنه يعامل معاملة الغضب - ولا يشكل هذا الحديث بما جاء:(أن الواحد من الألف يدخل الجَنَّة) - بمقتضى الرحمة، ولا يعامل بمقتضى الغضب؛ كما قال:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}(١).
وإما لأن مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب؛ فإن الملائكة كلهم مظاهر الرحمة، وهم أكثر خلق الله تعالى، وكذلك ما خلق الله في الجَنَّة من الحور والولدان وغير ذلك. انتهى من "المرشد".
قال النووي في "شرح مسلم": (غضب الله) تعالى و (رضاه) يرجعان إلى معنى: (الإرادة) فإرادتُه الإثابةَ للمطيع ومنفعةَ العبد تسمى رضًا ورحمةً، وإرادتُه عقابَ العاصي وخذلانَه تسمى غضبًا.
وذكر الحافظ في "الفتح"(٦/ ٢٩٢): أن السبق والغلبة باعتبار التعلق؛ أي: تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب؛ لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب .. فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث.
وقيل: معنى (الغلبة): الكثرة والشمول.
وقال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسطَ الخلق منها أكثرُ من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلَّا باستحقاق؛ فالرحمة تشمل الشخص جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا قبل أن