السلف والخلف في معنى طول العنق: فقيل: معناه أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله تعالى وثوابه؛ لأن المتشوف لطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فهو كناية عن كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: هو حقيقة؛ لأنه إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم؛ لئلا يصيبها العرق، وقال ابن الملك: وطول العنق يدل غالبًا على طول القامة، وطولها لا يُطلب لذاته، بل لدلالته على تميزهم على سائر الناس وارتفاع شأنهم عليهم؛ أي: يكونون سادات الناس، ومن أجاب دعوة المؤذن .. يكون معه.
ورواه بعضهم:"إعناقًا" -بكسر الهمزة- أي: إسراعًا إلى الجنة، قال ابن الملك: وهذه الرواية غير معتد بها، وقال الأبي: هو كناية عن عدم الخجل من الذنوب؛ لأن الخجل ينكس رأسه، قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ}(١)، وقيل: المعنى أنهم أكثر رجاء؛ لأن من يرجو شيئًا .. أطال إليه عنقه، فالناس يكونون في الكرب، وهم في الروح يشرئبون أن يؤذن لهم في دخول الجنة، وقيل غير ذلك من الأقوال المتلاطمة. انتهى.
قال القرطبي: وقد احتج بهذا الحديث من رأى أن فضل الأذان أكثر من فضل الإمامة، واعتذر عن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذن؛ لما يشتمل عليه الأذان من الشهادة بالرسالة، وقيل: إنما ترك الأذان؛ لما فيه من الحيعلة وهي أمر، وكان لا يسع أحدًا ممن سمعه التأخر، وإن كانت له حاجة وضرورة، وقيل: لأنه صلى الله عليه وسلم كان في شغل عنه بأمور المسلمين، وهذا هو الصحيح، وقد صرح بذلك عمر حيث قال: "لولا الخِلِّيفى -أي: الخلافة-