قال الخطابي: وفي هذا الحديث من الفقه أن الجمعة جوازها في القرى كجوازها في المدن والأمصار؛ لأن حرة بني بياضة يقال: على ميل من المدينة، وقد استدل به الشافعي على أن الجمعة لا تجوز بأقل من أربعين رجلًا أحرارًا مقيمين؛ وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شُرع من الجمعات، فكان جميع أوصافها معتبرة فيها؛ لأن ذلك بيان لمجمل واجب، وبيان المجمل الواجب واجب، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة، وإليه ذهب أحمد وإسحاق، إلا أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها والٍ، وليس الوالي من شرط الشافعي، وقال مالك: إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة، وفيها مسجد يُجمّع فيه وسوق .. وجبت عليهم الجمعة، ولم يذكر عددًا محصورًا، ولم يشترط الوالي، ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: لا جمعة إلا في مصر جامع، وتنعقد عندهم الجمعة بأربعة، وقال الأوزاعي: إذا كانوا ثلاثة .. صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي، وقال أبو ثور: كسائر الصلوات في العدد. انتهى كلام الخطابي. انتهى من "العون".
قلت: حديث ابن عباس وكعب بن مالك المذكوران في الباب فيهما دلالة واضحة على صحة صلاة الجمعة في القرى، فحديث ابن عباس أخرجه أيضًا البخاري في "صحيحه"، وحديث كعب أخرجه أيضًا ابن ماجه، وزاد فيه:(كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة)، وأخرجه الدارقطني وابن حبان والبيهقي في "سننه"، وقال: حسن الإسناد صحيح، وقال في "خلافياته": رواته كلهم ثقات، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال الحافظ في "التلخيص": إسناده حسن.