ولفظ رواية أبي داوود: قال جابر: (كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم، فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، فرددناهم)، والمعنى: لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم، بل ادفنوهم حيث قتلوا، وكذا من مات في موضع لا ينقل إلى بلد آخر، قاله بعض الأئمة، والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء؛ لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره بالعقيق إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة، ولم ينكروا، والأظهر أن يحمل النهي على نقلهم بعد دفنهم لغير عذر، ويؤيده لفظ (مضاجعهم)، قاله القاري. وقال العيني: وأما نقل الميت من موضع إلى موضع .. فكرهه جماعة، وجوزه آخرون، وقال المازري: ظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى بلد آخر، وقد مات سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بالعقيق، ودفنا في المدينة. انتهى؛ أي: كما أخرجه مالك في "الموطأ".
وقال السيوطي في "تاريخ الخلفاء" في خلافة علي رضي الله عنه: قال شريك: نقله ابنه الحسن إلى المدينة، وقال المبرد: عن محمد بن حبيب أول من حول من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب، حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى، وفي هذه الآثار جواز نقل الميت من الموطن الذي مات فيه إلى موطن آخر يدفن فيه، والأصل الجواز، فلا يمنع من ذلك إلا بدليل، وأما حديث جابر بن عبد الله .. ففيه إرجاع الشهيد إلى الموضع الذي أصيب فيه بعد نقله، وليس في هذا أنهم كانوا قد دفنوا بالمدينة، ثم أخرجوهم من القبور ونقلوا، فهذا النهي مختص بالشهداء وهذا هو الصواب، والله أعلم. انتهى من "العون".