القبور؛ أي: تركوا (خيرًا كثيرًا) أي: كانوا قبل الخير، فحادوا عن ذلك الخير وما أدركوه، أو: أنهم سبقوه حتى جعلوه وراءهم ظهريًا. انتهى "سندي". وفي نسخة: "سبق هؤلاء خير كثير" بالرفع، وهي أوضح من الأولى.
(قال) بشير: (فالتفت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرأى رجلًا يمشي بين المقابر في نعليه، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا صاحب السبتيتين؛ ألقهما) أي: ألق السبتيتين وارمهما ولا تلبسهما في القبور -بكسر السين- نسبة إلى السبت، وهو جلود البقر المدبوغة بالقَرَظِ يتخذ منها النعال؛ لأنه سُبتَ شعرها؛ أي: حُلق وأُزيل، وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ؛ أي: لانَتْ، وأُريد بهما: النعلان المتخذان من السبت، وأمره بالخلع؛ احترامًا للمقابر عن المشي بينها بهما، أو لقذر لهما، أو لاختياله في مشيه، قيل: وفي الحديث كراهة المشي بالنعال بين القبور.
قلت: لا يتم ذلك إلا على بعض الوجوه المذكورة. انتهى "سندي".
وفي "النيل": وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز المشي بين القبور بالنعلين، ولا يختص عدم الجواز بكون النعلين سبتيتين؛ لعدم الفارق بينها وبين غيرها، وقال ابن حزم: يجوز وطء القبور بالنعال التي ليست سبتية؛ لحديث: "إن الميت يسمع خفق نعالهم"، وخص المنع بالسبتية، وجعل هذا جمعًا بين الحديثين، وهو وهم؛ لأن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور جائزًا، فلا معارضة، وقال الخطابي: إن النهي عن السبتية؛ لما فيها من الخيلاء، ورُدَّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها. انتهى.