يعني: رمضان (في السفر) مسارعةً إلى براءة الذمة، وإدراكًا لفضيلة الوقت (وأفطر) فيه؛ لبيان الجواز، فيجوز فيه الوجهان؛ الصوم والفطر؛ أي: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان، سنة ثمان حتى بلغ الكديد -بفتح الكاف- مكان معروف بين مكة والمدينة، بينها وبين المدينة سبع مراحل، بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا، ثم بعدما بلغ الكديد أفطر إلى أن دخل مكة، قال القابسي: هذا الحديث من مرسلات الصحابة؛ لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيمًا مع أبويه بمكة، فلم يشاهد القصة، فكأنه سمعها من غيره من الصحابة. انتهى من "الفتح".
قال الخطابي: الحديث نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار، وفيه بيان جواز صوم الفرض للمسافر إذا صامه، وهو قول عامة أهل العلم، إلا ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال:(إن صام في السفر .. قضى في الحضر)، وقد روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما أنه قال:(لا يجزئه)، وذهب إلى هذا من المتأخرين داوود بن علي، ثم اختلف أهل العلم بعد هذا في أفضل الأمرين منهما: فقالت طائفة منهم: أفضل الأمرين الفطر، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقال أنس بن مالك وعثمان أبي العاص: أفضل الأمرين الصوم في السفر، وبه قال النخعي وسعيد بن جبير، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، وقالت فرقة ثالثة: أفضل الأمرين أيسرهما على المرء؛ لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١)، وإن كان الصيام أيسر عليه .. صام، وإن