يوم واحد، قال مجاهد:(قلت) لعائشة: (كيف ذا؟ ) أي: كيف الجمع بين الصوم والإفطار في يوم واحد؟ أي: كيف يصح ذلك؟ (قالت) عائشة في جواب سؤالي: (إنما مثل هذا) أي: إنما صفة هذا الذي يصوم بعض اليوم ويفطر بعضه (مثل الذي يخرج) من بيته (بصدقة) أي: بمال يريد أن يتصدق به (فيعطي بعضًا) من ذلك المال وهو مثل صومه أول النهار (ويمسك بعضًا) آخر منه؛ أي: يمسك الباقي بلا تصدق، وهو مثل إفطاره آخره.
ومقتضاه: أنه يثاب على البعض الذي صامه مع أنه لم يكمل صومه، وذلك محتمل، ولكنه خاص به؛ لأن عمله للتشريع فيثاب عليه ثواب التشريع، والله أعلم. قال القاري: قوله: (فيفطر) أي: على تلك الهدية، قال ميرك: يدل هذا على جواز إفطار النفل، وبه قال الأكثرون، وقال أبو حنيفة: يجوز بعذر، وأما بدونه .. فلا. انتهى من "التحفة".
ويؤيد قول الأكثرين حديث أم هانئ، أخرجه الترمذي وأبو داوود:"الصائم المتطوع أمين أو أمير نفسه؛ إن شاء .. صام، وإن شاء .. أفطر"، قال الخطابي: ففي هذا الحديث نوعان من الفقه: أحدهما: جواز تأخير نية الصوم عن أول النهار إذا كان تطوعًا، والآخر: جواز إفطار الصائم قبل الليل إذا كان متطوعًا به، ولم يذكر فيه إيجاب القضاء، وكان غير واحد من الصحابة يذهب إلى ذلك؛ منهم: ابن مسعود وحذيفة وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنهم، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يصوم تطوعًا حتى يجمع من الليل، وقال جابر بن زيد: لا يجزئه في التطوع حتى يبيت النية، وقال مالك بن أنس في صوم النافلة: لا أحب أن يصوم أحد إلا أن يكون قد نوى الصيام من الليل. انتهى من "العون".