(قال) ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم) أي: يواظب على صوم النفل، ويصومه متواليًا في بعض الأحيان (حتى نقول: لا يفطر) أبدًا؛ كما في رواية مسلم (و) كان (يفطر) على التوالي (حتى نقول: لا يصوم) أبدًا، والظاهر أن مراد سعيد بهذا الاستدلال على أنه لا نهي فيه ولا ندب بعينه، بل له حكم باقي الشهور؛ إذ لم يثبت في صومه نهي ولا ندب بعينه، وإن كان أصل الصوم مندوبًا إليه (وما صام) رسول الله صلى الله عليه وسلم (شهرًا) كاملًا (متتابعًا إلا رمضان منذ قدم المدينة) وكذا قبل قدومه المدينة، وهذا قيد لا مفهوم له؛ لأن رمضان إنما فرض في المدينة في السنة الثانية من الهجرة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الصيام، باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في كتاب الصوم، باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، وأبو داوود في كتاب الصوم، والنسائي في كتاب الصيام، باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، فإن قيل: إن في الحديث إرسالًا .. قلنا: إرسال الصحابي لا يضر اتفاقًا؛ لأنهم لا يروون إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم عدول مقبولون، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.