بظاهر هذا الحديث قاله الشافعي وجماعة، وأما مالك .. فقال في "موطئه": لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه، قيل: إنه محمد بن المنكدر، قال الداوودي: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، ولو بلغه لم يخالفه، قلت: ومقصود هذا الحديث: ألا يختص بصوم يعتقد وجوبه، أو لئلا يلتزم الناس من تعظيمه ما التزمته اليهود في سبتهم؛ من تركهم الأعمال كلها يعظمونه بذلك. انتهى من "المفهم".
قال النووي: والحكمة في النهي عن صوم يوم الجمعة .. أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة؛ من الغسل، والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر بعدها؛ لقول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}(١)، وغير ذلك من العبادات في يومها، فاستحب الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وَانْشِرَاحِ صدر والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة؛ فإن السنة له الفطر؛ كما سبق تقريره لهذه الحكمة.
فإن قيل: لو كان كذلك .. لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده؛ لبقاء المعنى.
فالجواب: أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه، فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد الجمعة بصوم، وقيل: سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به؛ كما افتتن قوم بالسبت، وهذا ضعيف