وفي رواية مسلم زيادة لفظة: "قالوا: يا رسول الله؛ وكيف إذنها؟ " وهي لا تتكلم بلفظ النكاح حياءً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وإذنها الصموت) أي: السكوت، يقال: صمت صمتًا؛ من باب قتل، وصموتًا وصماتًا.
وفي الكلام قلب، والأصل: وصموتها إذنها؛ أي: كإذنها الصريح، قال الحافظ: عبر في الثيب بالاستئمار، وفي البكر بالاستئذان، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة، وجعل الأمر إلى المستأمَرَة، ولهذا يحتاج إلى صريح إذنها في العقد، فإذا صرحت بمنعه .. امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك، والإذن دائر بين القول والسكوت، بخلاف الأمر؛ فإنه صريح في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حق البكر؛ لأنها قد تستحيي أن تفصح بالإذن. انتهى.
قال الخطابي في "المعالم": ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل، كما يبطل نكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول، وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري، وهو قول أصحاب الرأي.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق: إنكاح الأب البكر البالغة جائز، وإن لم تستأذن، ومعنى استئذانها: إنما هو عندهم محمول على استطابة النفس دون الوجوب؛ كما جاء في الحديث الأمر باستئمار أمهاتهن، وليس ذلك شرطًا في صحة العقد. انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ومسلم في كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، والترمذي في كتاب النكاح