مكروهًا .. فقد دلَّ هذا الصنع على أنه ليس في غِلَظِ الحرمة؛ كسائر الزمور والمزاهر والملاهي التي يستعملُها أهلُ الخلاعة والمُجُون، ولو كان كذلك .. لأَشْبَهَ ألا يقتصِرَ في ذلك على سد المسامع فقط دون أن يَبْلُغ فيه من النُكْرِ مَبْلَغَ الرَّدْعِ والتنكيلِ. انتهى، انتهى من العون.
قوله:(قال أبو داوود: هذا حديث منكر) هكذا قال أبو داوود، ولا يُعْلَمُ وجهُ النَّكارة؛ فإن هذا الحديث رواته كلُّهم ثقات، وليس بمخالف لرواية أوثقِ الناس. انتهى منه.
قلت: فالحديث حينئذٍ: صحيح؛ لصحة سنده، فيكون شاهدًا لحديث ابن ماجه؛ كما مر آنفًا.
وقال السيوطي: قال الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي: هذا حديث ضعفه محمد بن طاهر، وتعلَّق على سليمان بن موسى، وقد تفرد به، وليس كما قال، فسليمانُ حسنُ الحديث، وثَّقه غَيْرُ واحد من الأئمة، وتابعه ميمونُ بن مهران عن نافع وروايتُه في "مسندِ أبي يعلى"، ومُطعِمُ بن المقدام الصنعاني عن نافع، وروايتُه عند الطبراني؛ فهذان متابعان لسليمان بن موسى.
واعترض ابنُ طاهر على الحديث بتقريره صلى الله عليه وسلم على الراعي، وبأن ابن عمر لم يَنْهَ نافعًا، وهذا لا يدل على إباحةٍ؛ لأن المحظور هو قصد الاستماع لا مجردُ إدراك الصوت؛ لأنه لا يدخل تحت تكليف، فهو كشم محرم طيبًا، فإنما يحرم عليه قصده لا ما جاءت به ريح لشمه، وكنظر فجأة، بخلاف تتابع نظره فمحرم، وتقرير الراعي لا يدل على إباحة؛ لأنها قضيةُ عَيْنٍ، فلعلَّه سمعه بلا رؤيته، أو بعيدًا منه على رأس جبل، أو مكانٍ لا يُمْكنُ الوصولُ إليه،