وقد كره بيع السنور - أي: الهرة الأهلية - أبو هريرة ومجاهد وغيرهما؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث، ومنهم من علله بأنه لا يثبت في البيوت ولا يمكن انضباطه، وهذا ليس بشيء، وهذا مناكرة للحس؛ فإنها تنضبط في البيوت آمادًا طويلة، وتسلُّمُه ممكن حالة البيع؛ فقد كملت فيها شروط صحة البيع، ثم إن شاء مشتريه .. ضبَطَه، وإن شاء .. سَيَّبَهُ.
وأحسن من هذا التعليل: أن بيعه وبيع الكلب ليس من مكارم الأخلاق، ولا من عادة أهل الفضل، والشرع ينهى عما يناقض ذلك أو يباعده؛ كما قلنا في طرق الفحل، وكذلك في كسب الحجام؛ لأنه عمل خسيس لا يتعاطاه إلا أهل الخسة والدناءة؛ كالعبيد ومن جرى مجراهم. انتهى من "المفهم".
قوله:(عن ثمن السنور) استدل بهذا الحديث من قال بحرمة بيع السنور، وروي ذلك عن أبي هريرة ومجاهد وطاووس وجابر بن زيد، وبه أخذ ابن حزم في "المحلى"(٩/ ١٣) واتفق الأئمة الأربعة وجمهور من سواهم على جواز بيعه، وحملوا النهي في حديث الباب على التنزيه، وهو أصح ما قيل فيه. انتهى من "التكملة".
قلت: والمراد بالسنور هنا: الهرة الأهلية الإنسية، لا الهرة الوحشية المعروفة بالسنور؛ فإنه يجوز بيعها لغرض الزباد؛ وهو بزاقه؛ لأنه يخلط بالطيب؛ كما هو مبسوط في كتب الفروع. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب المساقاة، وأبو داوود في كتاب البيوع، باب ثمن السنور، والترمذي في كتاب البيوع، باب ثمن الكلب والسنور، لكن رَوَوْهُ بسندٍ صحيح.