الذي تصدق عمن تصدق عليه حين ضيعه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائه هل يجوز لي شراؤه أم لا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ("لا تعد في صدقتك") يا عمر؛ بشرائها عمن تصدقت عليه؛ فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه في القبح والاستقذار.
قال الحافظ: وإنما سمي الشراء عودًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري، فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا، كذا في "فتح الباري".
قلت: ويدل عليه قوله: (فظننت أنه بائعه برخص).
قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم، فيكره إن تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاة، أو كفارة أو نذر، أو نحو ذلك من القربات .. أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه .. فلا كراهة، وكذا لو انتقل إلى ثالث فاشتراه منه المتصدق .. فلا كراهة. انتهى منه.
والحاصل: أن عود الشيء المتصدق به إلى ملك المتصدق؛ إن كان بسبب غير اختياري؛ كالميراث .. فلا كراهة فيه عند أحد، إلَّا ما شذ به بعض أهل الظاهر، وإن كان بسبب اختياري؛ كالشراء: فإن كان ذلك طمعًا في المحاباة .. فهو مكروه تحريمًا؛ لأنه يتضمن العود في بعض صدقته، وإن لَمْ يكن طمعًا في المحاباة .. فيكره تنزيهًا، والبيع صحيح على كلّ حال، إلَّا في قول بعض أهل الظاهر.
ولعل السبب في كون الصورة الأخيرة مكروهة تنزيهًا: أن شراء المتصدق به صورته سورة التأسف على تصدقه، فكأنه ندم على فعله وأراد الرجوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.