للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال القرطبي: إن كان المراد بالهبة: الصدقة؛ كما جاء في هذين الحديثين المذكورين .. فقد تكلمنا عليها، وإن كان المراد مطلق الهبة .. فهي مخصوصة؛ إذ يخرج منها الهبة للثواب، وهبة أحد الأبوين، فأما هبة الثواب .. فقد قال بها مالك وإسحاق والطبري والشافعي في أحد قوليه؛ إذا علم أنه قصد الثواب إما بالتصريح به، وإما بالعادة والقرآئن؛ كهبةِ الفقيرِ للغنيِّ والرجل للأمير، وبها قال أبو حنيفة إذا شرط الثواب، وكذلك قال الشافعي في القول الآخر، وقد روي عنهما وعن أبي ثور منعها مطلقًا، ورأوا أنَّها من البيع المجهول الثمن والأجل.

والأصل في جواز هبة الثواب ما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وهب هبة .. فهو أحق بها ما لَمْ يُثَبْ منها" رواه الدارقطني (٣/ ٤٢)، وقال: رواته كلهم ثقات، والصواب: عن ابن عمر عن عمر، وما أخرجه مالك عن عمر أنه قال: من وهب هبة لصلة الرحم أو على وجه الصدقة .. أنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب .. فهو على هبته يرجع فيها ما لَمْ يرض منها، وما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فعوضه ست بكرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "إن رجالا من العرب يُهدي أحدُهم الهديةَ فأُعوِّضه منها بقدرِ ما عندي، فيظلُّ يتسخَّطُ عليَّ، وأيم الله؛ لا أقبلُ بعدَ يومي هذا من رجل من العرب إلَّا مِن قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي". رواه الترمذي (٣٩٤٥)، وهذا الحديث وإن لَمْ يكن إسناده بالقوي .. فيعضده كلّ ما تقدم، وما حكاه مالك؛ من أن هبة الثواب مجمع عليها عندهم، وكيف لا تجوز وهي معاوضة تشبه البيع في جميع وجوهه إلَّا وجهًا واحدًا؛ وهو أن العوض فيها غير معلوم حالة العقد؟ !

<<  <  ج: ص:  >  >>