رواية الكُشْميهنِي عند البخاري:(ثنايَاه) بصيغة الجمع، فبَيْنَ الروايات معارضةٌ بالإفرادِ والتثنية والجمع، فكَيْفَ الجمع بينها؟
قال العيني في "عمدة القاري"(١١/ ٢٠٧): والتوفيقُ بين هذه الروايات: أنَّ الاثنين يُطلق عليهما صيغةُ الجمع، وأن رواية الإفراد على إرادةِ الجنس الصادق بالواحد وما فوقه، كذا قيل، لكن يعكرُ عليه روايةُ محمد بن علي: فَانْتَزع (إِحدى ثنيتَيهِ) فعلى هذا يُحملُ الاختلافُ على التعدد، ولكن استبعد الحافظ حَمْلَهُ على التعدّدِ؛ لاتحادِ مَخْرَجِ الحديث، فالظاهر أنَّ أحدَ الرواة وَهِمَ في تعيينِ عدد الساقطةِ من الثنايا وقد قَدَّمْنَا مرارًا أنَّ الرُّواةَ إِنَّما يَعْتَنُون بحفظِ أصلِ القصة ولا يَسْأَلُون بتفصيلِ جزئياتِها في كثيرٍ من المواقع، فمِن الطبيعيِّ أَنْ يَجْرِيَ مثل هذه الخلافات البسيطةِ فيما بَيْنَ الرواة، ولا سبيلَ إلى القطعِ بتصحيحِ بعضِ الرواياتِ في مِثْلِها، ولا حاجةَ إلى تحصيلِ القطع واليقين فيها؛ فإنَّه لا يَقْدَحُ ذلك في ثبوتِ أَصْلِ الحديث، فالرجوعُ في مِثْلِ هذه الخلافاتِ إِلَى حَمْلِ الرواياتِ على تعدُّدِ القصة .. تكلُّفٌ لا دَاعِيَ إليه، والأقربُ حَمْلُها على وقوعِ الوَهْمِ مِنْ بعضِ الرواة. انتهى من "شرح مسلم".
قولُه:"لا عَقْلَ لها" أي: لا ديةَ لثنيته ولا قصاص، وبه أخَذَ الجمهور، فقالوا: لا يلزم المعضوضَ قصاص ولا ديةٌ؛ لأنه في حكمِ الصائل، واحتجُّوا أيضًا بالإجماعِ على أنَّ مَن شهر سلاحًا على آخرَ لِيَقْتُلَه، فدَفَع عن نفسِه، فقَتلَ الشاهرَ .. أنه لا شيءَ عليه، فكذا لا يَضْمَنُ سِنَّه بدَفْعِه إياه عن نفسِه، وكذا لو قَصَدَ رجلٌ الفُجورَ بامرأة، فلا يُمكِنُها الخَلاصُ إلا بقَتْلِه فقتَلَتْهُ .. لا شيءَ عليها؛ كما في "المبارق"، وهو مذهبُ أبي حنيفة والشافعي، على أن الحافظ في "الفتح"(١٢/ ٢٢٢) قيَّدَهُ بِأَنْ يتألَّم المعضوضُ، ولا يُمكنه تخليصُ يدهِ