قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث من غزا الكفار فرجع سالمًا غانمًا .. فقد تعجل واستوفى ثلثي أجره؛ وهما: السلامة والغنيمة في الدنيا، وبقي له ثلث الأجر يناله في الآخرة؛ بسبب ما قصد بغزوه محاربة أعداء الله تعالى. انتهى.
قوله:(إلا تعجلوا ثلثي أجرهم) ظاهره: أن من غنم من المجاهدين .. انتقص أجره بقدر الثلثين من المجاهد الذي لم يغنم شيئًا، ولم يسلم؛ بأن جرخ.
واستشكله بعضهم بأن الغنيمة نعمة من الله تعالى أحلت لهذه الأمة، فكيف ينتقص بها أجر الجهاد، ولو كانت منقصة للأجر .. لما تناولها الصحابة والتابعون الذين كانوا في زيادة الأجر أكثر مما يَطْمَعونَ في التمتعِ بالغنائم، ولو كانت الغنيمة ينقص بها الأجر .. لما فضل أصحاب بدر على أصحاب أحد؟ !
ولهذا الإشكال ذهب بعض هؤلاء إلى تضعيف هذ الحديث؛ بسبب أبي هانئ مع أنه ثقة احتج به مسلم وغيره، وذهب بعضهم إلى تأويلات أخرى كلها ضعيفة، بسطها ورد عليها القاضي عياض والنووي والحافظ في "الفتح".
والحق أنه لا إشكال في حديث الباب؛ لأن الأجر على قدر المشقة والمصيبة، ولا شك أن من لم يسلم أو لم يغنم مصيبته أكثر ممن سلم وغنم، فكان ثوابه أعظم، وقد ذكر الحافظ في "الفتح"(٦/ ١٠) عن بعض المتأخرين حكمة لطيفة بالغة للتعبير بثلثي الأجر؛ وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات؛ دنيويتين وأخروية؛ فالدنيويتان: السلامة والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة.