وظاهر هذا الحديث أن ما ند من الإنسي ولم يقدر عليه .. جاز أن يذكى بما يذكى به الطير، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا يؤكل إلا بذكاة الإنسي بالنحر أو الذبح؛ استصحابًا لمشروعية ذكاته، ولأنه وإن كان قد لحق بالوحش بالامتناع .. فلم يلحق بها لا في النوع ولا في الحكم، ألا ترى أن ملك مالكه باق عليه؟ !
وقد اعتذر أصحابنا عن هذا الحديث بمنع ظهور ما ادُّعي ظهوره من ذلك؛ إذ لم يقل فيه: إن السهم قتله، وإنما قال: حبسه، ثم بعد أن حبسه فقد صار مقدورًا؛ فلا يؤكل إلا بالذبح أو بالنحر، فلا فرق بين أن يكون وحشيًا أو إنسيًا. انتهى منه.
ونقول بموجبه: نرميه ونحبسه؛ فإذا أدركناه حيًّا .. ذكيناه، وإن تلف بالرمي .. فهل نأكله أم لا؟ ليس في الحديث تعيين أحدهما، فلحق بالمجملات، فلا ينهض فيه حجة، وحينئذ يبقى متمسك مالك واضح الحجة، والله أعلم.
وقد استدل المخالف بما رواه الترمذي وأبو داوود عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله؛ أما تكون الذكاة إلا في الحلق أو اللبة؟ قال:"لو طعنت في فخذها .. لأجزأ عنك". رواه أبو داوود رقم (٢٨٢٥)، والترمذي رقم (١٤٨١)، قال يزيد بن هارون: هذا في الضرورة.
وقال أبو داوود: لا يصلح هذا إلا في المتردية والنافرة والمستوحش. انتهى من "المفهم".
وأبو العشراء - كما سيأتي - اسمه أسامة بن فَهْطَمٍ، ويقال: اسمه يسارُ بن بَرْزٍ، ويقال: بَلْزٍ، ويقال: اسمه عطارد، نسب إلى جده، فهذا سند مجهول لا يحتج به.