الشجرتين: النخلة والعنبة) قاله لا على وجه القصر عليهما، بل على معنى أنه منهما، ولا يقتصر على العنب، وقيل: المقصود: بيان ذلك لأهل المدينة، ولم يكن عندهم يومئذ مشروب إلا من هذين النوعين، وقيل: إنه معظم ما يتخذ من الخمر، أو أشد ما يكون في معنى المخامرة والإسكار إنما هو من هاتين، فلا ينافي هذا الحديث ما سيأتي - انتهى سندي - من كون الخمر من الحنطة والشعير والعسل وغيرها؛ كالذرة كما في الحبشة.
وفيه دليل على أن الأنبذة المتخذة من التمر والزهو والزبيب وغيرها؛ والزهو: البسر المُلون كما سيأتي .. تسمى خمرًا، وهي حرام إذا كانت مسكرة. انتهى "نووي".
وقال العيني: إن مذهب أبي حنيفة أن الخمر هي ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، والخمر من غير العنب لا يسمى خمرًا حقيقةً. انتهى.
قال القرطبي: هذا الحديث حجة للجمهور على تسمية ما يعتصر من غير العنب بالخمر إذا أسكر، ولا حجة فيه لأبي حنيفة على قوله؛ حيث قصر الحكم بالتحريم على هاتين الشجرتين؛ لأنه قد جاء في أحاديث أخر ما يقتضي تحريم كل مسكر؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام"، وكقوله: "كل ما أسكر .. فهو حرام" وحديث معاذ حيث سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراب العسل والذرة والشعير، فقال: "أَنْهَى عن كل مسكر" ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٥/ ٥٣) بنحوه، وإنما خص - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث هاتين الشجرتين بالذكر؛ لأن أكثر الخمر منهما أو أَعْلَى الخمرِ عند أهلها، والله أعلم، وهذا نحو قولهم:(المال الإبل) أي: أكثرها وأعمها. انتهى من "المفهم".