من اللبن قدر حاجته (ثم) بعدما شربه (أعطى) النبي صلى الله عليه وسلم ما فضل منه (الأعرابي) وقال له عمر: أعط يا رسول الله أبا بكر ما فضل منك (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (الأيمن فالأيمن) أحق بما فضل من الأيسر، ويجوز فيهما الرفع والنصب؛ فالرفع على الابتداء والخبر محذوف جوازًا؛ تقديره: الأيمن أحق، أو مقدم بالإعطاء لشرفه بشرف الجهة، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف جوازًا؛ تقديره: أعط الأيمن، أو قدم الأيمن فالأيمن، فالرفع أرجح؛ لكونه عمدة حينئذ.
وقوله: في بعض رواية مسلم: (الأيمنون فالأيمنون) بالرفع .. يُرجِّحُ روايةَ الرفع هنا، وفيه أن الأيمن يقدم في إعطاء الشراب وإن كان مفضولًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي على أبي بكر مع فضله على الأعرابي.
قال القرطبي: وإنما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي؛ لأنه كان عن يمينه، فبين أن ذلك سنة، ولذلك قال:"الأيمن فالأيمن" أي: أعط الأيمن وابدأ به.
وقيل أيضًا: إنه قصد ائتلافه؛ فإنه كان من كبراء قومه، فلذلك جلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر، ولا يبعد قصد المعنى الثاني. انتهى من "المفهم".
قال الخطابي: العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائها بتقديم الأيمن في الشرب، قال: عمرو بن كلثوم في قصيدة له: (وكان الكأس مجراها اليمينا) فخشي عمر لذلك أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي على أبي بكر