وفي يوم الأربعاء عشرينه، مات بالقاهرة السلطان الملك الناصر، أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عن بضع وخمسين سنة، ودفن على والده بالمنصورية. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وسمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن الشحنة، وست الوزراء. وأجاز له من دمشق عام ثلاث وسبعمائة أبو جعفر بن الموازيني، وإسحاق النحاس، والقاضي تقي الدين سليمان، وطائفة.
وكان ابتداء ملكه في المحرم سنة ثلاث وتسعين بعد قتل أخيه الملك الأشرف، فأقام سنتين، ثم خلع بالملك المنصور، حسام الدين لاجين أستاذ تنكز المذكور، فأقام المنصور حتى قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، فأحضر الملك الناصر من الكرك وسلطنوه، وهي المرة الثانية، فأقام إلى سنة ثمانٍ وسبعمائة، ثم أظهر أنه يريد الحج، فخرج وعرج إلى الكرك، فأقام به ولوح بعزل نفسه. فتولى الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير فأقام بقية سنة ثمان وسبعمائة إلى رمضان من العام القابل، فخرج طائفة من كبار الأمراء وكرهوا ولاية المظفر، وساقوا على حمية إلى الكرك، فاستنهضوا الملك الناصر فخرج معهم وسار إلى دمشق، فبايعه أمراء الشام، وتوجه إلى القاهرة، فلما تحقق بيبرس قدوم السلطان خرج هارباً نحو الصعيد، فدخل السلطان إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة واتفقت عليه كلمة المسلمين، فأقام ملكاً مطاعاً، وأذعنت له الملوك، ودانت له الأمم وخافته الأكاسرة، حتى مات في هذا العام، وعهد إلى ابنه الملك المنصور أبي بكر، فولي بعده [أبيه] وهو ابن عشرين سنة.